الأربعاء، 15 فبراير 2012

تاريخ قرية النبي صموئيل

من المعروف بأن فلسطين هي مهد الرقي الحضاري، الذي بزغ فيها منذ أقدم العصور، كانت وما زالت ملتقى لمختلف شعوب الأرض منذ فجر التاريخ، تميزت بثقافتها المتعددة، وموقعها الاستراتيجي، ومكانتها الدينية، والأثرية.
ففي فلسطين أوحي لجبريل بأمرٍ من ربه على أنبياء كثر، كان منهم سيدنا داود، وسليمان، وعيسى، وهاجر إليها إبراهيم ولوط وموسى عليهم السلام، دفن فيها إسحاق، ويعقوب، وأسري بمحمد صلى الله عليه وسلم، وفي فلسطين موطن الأولياء والصالحين، عاش ومات فيها الكثير منهم.
وبحكم المكانة الدينية لفلسطين، وموقعها كجسر بين القارات، ترك بصمات وأثار مادية ودينية، على سلوك وعادات ومعتقدات الناس على مختلف انتماءاتهم وطبقاتهم، وبرز ذلك بصورة جليه في تعلق عامة الناس بالصالحين والقديسين، والإفراط في احترامهم وتقديرهم، والتبرك بالأنبياء والأولياء، وتقديسهم وعبادتهم.
فأقيم في فلسطين العديد من المقامات لنبي ذكره القرآن الكريم مثل نوح وإبراهيم عليهم السلام، أو لنبي لم يذكر بالقرآن، إنما ذكر في التوراة مثل صموئيل، ويامين، أو لصحابي أو ولي أو شهيد.
وأيضاً بحكم المكانة السياسية في فلسطين، فهناك العديد من القرى والمدن التي وقعت تحت سيطرة إسرائيلية، ومازالت تعيش بصراعٍ دائم بين الاحتلال وأبناء فلسطين، ولم تنل حقها الكافي بالإعلام، ولا في الكتب والأبحاث العلمية والتاريخية، ومن هذا المنطلق لم يسمع بها الكثير.

قرية النبي صموئيل
قرية النبي صموئيل الواقعة على أعلى جبال مدينة القدس الشريفة، تميزت منذ التاريخ بموقعها الجغرافي المتجانس، مما أكسبها أهمية بالغة، وبوصفها حلقة وصل بين نواحي ومناطق فلسطين المتعددة، إضافةً لكونها موطن الأنبياء والمرسلين عليهم السلام، وبلد المحبة والوئام، حيث استمدت شهرتها من وجود مقام النبي صموئيل عليه السلام في أعلى قمة جبلها، والتي تنسب إليه وتعرف باسمه.
ويزيد من مكانة القرية وأهميتها مناخها المعتدل، وانتشار الأشجار والبساتين، وأيضاً وجود العديد من الآثار والخرب والمغارات والقبور الأثرية، والبرك والآبار والأدوات النحاسية، وغيرها من أمور تدل على أنها أحد القرى التاريخية الفلسطينية الموغلة في القدم.
فقرية النبي صموئيل تعود إلى فترة العصر الحجري، ثم تعاقب على حكمها الكنعانيين، والفلسطينيين، والعمونيين، والأشوريين، والفرس، واليونان، والرومان، والبيزنطيين، وكذلك تاريخها في ظل الدولة الإسلامية، والاحتلال الصليبي، والعهد الأيوبي، ثم المملوكي، والعثماني، وصولاً إلى فترة الاحتلال الإسرائيلي.

فقبل الميلاد مثلاُ
ساعد موقع قرية النبي صموئيل المتوسط، واعتدال مناخها، ووفرة مائها على وجود الإنسان فيها منذ أقدم العصور، فهي تعد من القرى التاريخية الفلسطينية الموغلة في القدم، حيث دلت الحفريات الأثرية في المنطقة والتي أشرف عليها عالم الآثار إسحاق ميجن، وميخال ددن عام 1990، والتي لا تزال الحفريات مستمرة، على بقايا آثار لاستيطان، تشمل على مواد هدم وأواني كبيرة، وأباريق، وأسرجه في الجهة الجنوبية الشرقية للمكان، وفي الجزء الشمالي منه عثر على قناة ماء ضمن نفق محاط بالصخور يرتبط بعين الماء المواجهة للموقع، تعود لفترة العصر الحجري، والتي تدل على أنها كانت منطقة سكن واستقرار.
وتناولت الكتب القديمة تاريخ القرية، بدءاً بالتوراة التي أشارت لها باسم مصفاة، وعند اليهود تعرف باسم (رامه)، وذكرها مؤرخ مقدسي بدير شمويل، أما ياقوت الحموري دعاها ب"مار صموئيل" ويقال بأن مار بالسريانية هو القس وسمويل اسم رجل من الأحبار.

قرية النبي صموئيل في العهد المملوكي:
في سنة 658 هـ/ 1260 م، انتقل الحكم الإسلامي إلى مدينة القدس ومنطقتها لأيدي المماليك ، والتي تميزت فترتهم بحركة بناء نشطة في القدس، وما حولها، وخاصة في موقع الحرم وجواره، وكثرت المباني المملوكية العامة من مدارس، وخانات، وحمامات، وقد تجدد السكن في هذه الفترة بقرية النبي صموئيل التي استخدمها المماليك كمركز لإنتاج الصناعات المحلية.

قرية النبي صموئيل في ظل العهد العثماني:
بعد هزيمة المماليك في معركة مرج دابق قرب حلب، تمكن الأتراك من احتلال البلاد، وازدهرت المنطقة في حينها بكثافة المباني العامة من برك، وقنوات الماء ، والمدارس، وما يزال يسيطر الطابع العمراني العثماني الإسلامي عليها، ونالت قرية النبي صموئيل التي كان يسكنها عرباً ويهوداً نصيبها من الازدهار والرقي.

قرية النبي صموئيل في فترة الانتداب البريطاني:
في أواخر الحرب العالمية الأولى عام 1917، تسلم الجيش البريطاني مفاتيح القدس، وتمكن من احتلال قرية النبي صموئيل من أيدي القوات العثمانية بعد معارك دامية حامية الوطيس، وبقيت تحت الانتداب البريطاني حتى عام 1948م، وكان عدد سكانها في تلك الفترة لا يزيد عن (80) شخصاً.

قرية النبي صموئيل تحت السيطرة الإسرائيلية:
بعد احتلال إسرائيل لقرية النبي صموئيل، قررت إلغاء الاسم العربي لها، بعد أن هجرت سكانها وأبعدتهم، ومنعتهم من البناء، لتسميتها قرية لفسون، نسبة إلى مؤسسة لفسون التي تبرعت بمبلغ كبير من المال لبناء مساكن يهودية في هذه المستعمرة الجديدة.
ومنذ انسحاب الجيش الإسرائيلي من غزة إلى أريحا في عام 1994، وحلول قوات شرطة فلسطينية محلها تبعت القرية من ناحية الإدارية لحكم السلطة الفلسطينية، إلا أن القوات الإسرائيلية ما زالت تشرف على المنطقة، وتتحكم بها، ويسكن مستوطنون يهود في أرضها، ويسيطرون على عين الماء العذبة فيها، ويمنعون السكان في بعض الأحيان منها.

تحليل موقع النبي صموئيل:

الموقع الجغرافي:-
تحتل قرية النبي صموئيل قلب فلسطين، وهي مبنية على جبل يرتفع 908 م عن سطح البحر، وتقع إلى الشمال الغربي من مدينة القدس على بعد حوالي 4 كم، خاصة بعد التوسع العمراني الذي طرأ على المدينة المقدسة التي تقع على درجة خط عرض 31,52 شمالاً، وعلى درجة خط طول 35,13 شرقاً.
تحيط بأرض قرية النبي صموئيل، أراضي الجيب، وبير نبالا من الشمال، وقرية بيت اكسا من الجنوب، وبيت حنينا من الشرق، وقرية بدو من الغرب.

المساحة والسكان:-
تعد قرية النبي صموئيل من القرى الفلسطينية الصغيرة في مساحتها، وعدد سكانها، وهي تتبع إدارياً لقضاء القدس قبل حرب 1967م بين العرب وإسرائيل، ثم ضمتها سلطات الاحتلال إلى قضاء رام الله، يصل إليها طريق فرعي طوله حوالي (1 كم) يربطها بالطريق الرئيسي بين القدس، وقرى، ومدن وشمال غرب فلسطين.
أما مساحتها فتبلغ حوالي 2150 دونماً، ومنها دونمان للطرق، و 556 دونماً من أملاك اليهود، و34 دونماً غرست بأشجار الزيتون.
دلت الدراسات الديموغرافية، والإحصائيات أن عدد سكان قرية النبي صموئيل بلغ عام 1922م، 121 نسمة، ثم ارتفع العدد في عام 1931 م، فوصل 138 نسمة، منهم 59 ذكور و79 إناث، يسكنون في 37 بيتاً، وفي عام 1945 م قدر العدد بـِ 200 شخص، وحسب إحصائيات عام 1961 م بلغ عدد السكان 168 شخص منهم 80 من الذكور، و88 من الإناث.
وبلغ عدد طلاب مدرسة القرية التي أنشئت عام 1965 م، 16 طالباً وطالبة، تشرف عليهم معلمة واحدة فقط، ثم وصل العدد عامي 1966 و 1967 م (18) طالبة يدرسن في غرفة واحدة، وحسب إحصائيات سجلات دائرة التربية والتعليم لواء رام الله لم يزيد عدد طلاب المدرسة عن 20 طالباً وطالبة، يدرسون في غرفة واحدة ، تضم الصفوف الأساسية الدنيا الأول والثاني والثالث الأساسي، وبعد ذلك يذهب الطلاب لتكميل تحصليهم الدراسي في مدرسة ذكور بيت اكسا الأساسية، بينما تتوجه الطالبات إلى مدرسة بنات بيت حنينا الثانوية.
أما عدد سكان قرية النبي صموئيل عامي 1996 م، و 1997م فحسب تقديرات كبار السن في القرية لا تزيد عن (200) نسمة.
ويعود انخفاض الزيادة السكانية، وقلة عدد الطلاب في قرية النبي صموئيل إلى صغر مساحتها، وطبيعة أرضها الصخرية الجبلية الوعرة، وعدم توفر المواصلات حتى عهد قريب حيث كانت الحيوانات الوسيلة الوحيدة للوصول إليها، علاوة على سياسة القهر والشدة التي اتبعتها سلطات الاحتلال الإسرائيلي.
فعند احتلالها للقرية عام 1967م، شتت سلطات الإحتلال أهلها، وطردتهم منها، فهجر بعض من سكانها، وتركها إلى مناطق أخرى، وفي عام 1971م هدمت السلطات الإسرائيلية بيوت القرية.
كما اضطرت الأزواج الشابة للهجرة، والسكن في القرى المجاورة، بسبب السياسة الإسرائيلية التي تمنع منح رخص بناء، حيث تعد من القرى الوحيدة في فلسطين التي لم تمنح لها رخصة بناء واحدة منذ عام 1967م، كما أفاد كبار السن في القرية، علاوة على سكن بعض من المستوطنين بها.

المناخ:-
تعد تضاريس قرية النبي صموئيل امتداداً لمرتفعات القدس، التي تقع على درجة خط عرض 31,52 درجة شمالاً، مما جعلها تقع ضمن إقليم مناخ حوض البحر المتوسط، حيث يتسم مناخها بأنه حار جاف صيفاً مع اختلاف نسبة الرطوبة من منطقة لأخرى، ودافئ بعض الشيء في فصل الشتاء، ويبلغ متوسط درجة الحرارة في فصل الشتاء في مدينة القدس- التي تقع قرية النبي صموئيل ضمن منطقتها المناخية- 908 م، وتتساقط الثلوج على قمة جبلها، كذلك بلغت نسبة سقوط الأمطار في هذه المدينة، ومنطقتها حوالي 600 ملم في السنة، وهي كمية من الأمطار كافية لتغذية خزانات المياه الجوفية، ويكثر فيها الآبار والبرك، والينابيع التي كانت تستخدم للشرب ولري الأرض الزراعية، والمزروعات.
وتشكل كمية الأمطار عاملاً في نوعية الغطاء النباتي، كثافته تعكس أثراً كبيراً على مناخها، وتوازن النظام البيئي فيها، حيث تعمل الغابة التي تكسو القرية على تلطيف درجة الحرارة صيفاً بفعل نتحها وظلالها، وتساعد في صد الرياح العاتية، وتمنع انجراف التربة شتاءً.
والموقع الجغرافي والمناخي في قرية النبي صموئيل يجعلها حقاً من أجمل المصايف، حيث يؤمها الزوار لقضاء فصل الصيف للتمتع في ربوعها الجميلة، ومناظرها الخلابة، ومناخها اللطيف المعتدل، الذي يتسم كما وصفها اللقيمي عند زيارته لها عام 1730م بطيب هوائها، وعليل نسيمها.

مقام النبي صموئيل:-
تكتسب قرية النبي صموئيل أهميتها نتيجة مقام النبي صموئيل المقام فوق أرضها، والي يحظى بمكانة دينية رفيعة لدى أتباع الديانات السماوية، ويمثل تاريخ، وتراث، وحضارة الشعب الفلسطيني الزاهرة عبر العصور، وهو بناء أثري هام يتجاوز عمره مئات السنين، ويعبر عن ماضٍ تليد، يحمل في طياته عظمة الآباء، والأجداد، وتضحياتهم، ليثير حوافز الأبناء على العمل، والإنتاج، والعطاء.
لذا وجب على الباحثين، والمختصين، عمل دراسات في هذا الموضوع، وبرامج لتعرف على منطقة المقام وأصله، وتاريخه.

موقع المقام:-
يقع مقام النبي صموئيل على منطقة جغرافية بجبال القدس، على مسافة 4 كليو متر شمال عرب مدينة القدس، وعلى يسار الطريق الرئيسي القادم من يافا إلى القدس.
ويبعد بعض الأمتار إلى الغرب من قرية النبي صموئيل، ويقع المقام على جبل النبي صموئيل الذي عرف بجبل شيلو (مكان عبادة بني إسرائيل)، ويدعى جبل القديس صموئيل، وأطلق عليه الصليبيون جبل المسرة (الأمل)، عند مشاهدتهم منه المدينة المقدسة لأول مرة عام 1099م، ويبلغ ارتفاعه نحو 908 متر عن سطح البحر، وتعلوه قمة يصل ارتفاعها 15 متراً فوق السهول المتصلة به، ويقوم على مساحة حوالي 40 دونماً من الأرض.
وتعد قمة النبي صموئيل، من القمم الشهيرة لجبال مدينة القدس، وهي عبارة عن آكام مستديرة على هضبة عظيمة، بينها أودية صخرية ضيقة جافة أكثر أيام السنة، تقع بين جبال نابلس شمالاً، وجبال الخليل جنوباً، وأبرز الجبال وأسرها، جبل المشارف، وجبل الطور، وجبل المكبر.
والطبيعة العامة لسطح أراضي النبي صموئيل أنها أراض جبلية صخرية، تحيط بها السهول ذات التربة الخصبة، وتوجد بها القبور القديمة، والكهوف، والمغارات، وتنتشر على أرضها الأشجار المتنوعة، إلى جانب أشجار الزيتون، والتين، والرمان، واللوز وغيرها.
وشوهد اليهود المتدينون في 1996 م، يغتسلون في ماء عين من عيونها تبركاً – حسب اعتقادهم- بالنبي صموئيل الذي كان اغتسل في مائها، كما أنهم يقومون بحراستها، ويسكنون حولها، وأحاطها بسياج من الأسلاك الشائكة.

- دانه قرقش

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق